ما معنى جلحة باللهجة العراقية؟.. القصة الكاملة لكلمة أثارت الجدل في العراق

معنى جلحة بالعراقي

خلال الأيام الماضية، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في العراق والعالم العربي بموجة غضب واسعة، بعد انتشار مقطع مصور لامرأة عراقية تلفظت بكلمة “جلحة” في حق ابنتها الصغيرة ذات البشرة السمراء، على الهواء مباشرة خلال لقاء تلفزيوني. كلمة واحدة فقط كانت كفيلة بإشعال نقاشات عميقة حول التنمر الأسري، والعنصرية اللفظية، وتأثير الكلمات على الأطفال، لا سيما حين تخرج من أفواه الأمهات.

القصة من البداية: لقاء عابر يتحول إلى عاصفة

بدأت الواقعة عندما أجرت قناة محلية عراقية مقابلة قصيرة في الشارع مع امرأة برفقة طفلتها الصغيرة، التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، كانت الطفلة تقف بجانب أمها تبتسم بخجل أمام الكاميرا، وعند سؤال المذيعة إن كانت تلك الصغيرة هي ابنتها، ردّت الأم مازحة بضحكة خفيفة وقالت باللهجة العراقية:

“هاي جلحة!”

ثم قامت بإبعاد الطفلة عن الكاميرا بلطف لكنها بنبرة توحي بالاستخفاف، مما أثار موجة صدمة لدى الجمهور، الذي اعتبر أن الكلمة تنطوي على إهانة غير مبررة.

ما معنى كلمة “جلحة” باللهجة العراقية؟

في سياق اللهجة العراقية، تُستخدم كلمة “جلحة” للدلالة على القُبح أو المظهر غير المقبول، وهي تحمل دلالة تحقيرية حين تُستخدم للإشارة إلى شخص، خصوصًا إذا ما تم إطلاقها على طفل.

ومع أنها تُستخدم أحيانًا على سبيل المزاح أو “الدلع” في بعض الأسر العراقية، فإنها تبقى كلمة سلبية بطبيعتها، وتُعد في السياق الاجتماعي كلمة تنمرية، خاصة إذا خرجت على العلن، وأمام جمهور واسع.

التفاعل الشعبي: موجة غضب وانتفاضة إلكترونية

خلال ساعات من بث المقطع، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من التعليقات الرافضة لسلوك الأم. اعتبر معظم المغردين أن الكلمة شكل من أشكال العنف اللفظي والتنمر الأسري، خاصة عندما تُوجه من الأم نحو ابنتها الصغيرة.

وسرعان ما تحوّلت الطفلة إلى رمز للمظلومية والجمال الطبيعي، ولقّبها البعض بـ”الملكة السومرية”، وتداولوا صورها مشيدين بجمالها البرئ، وداعين إلى حماية حقوق الأطفال في محيطهم الأسري.

الدعم الفني والإعلامي: مشاهير يتدخلون

من اللافت أن عددًا من المشاهير سارعوا إلى دعم الطفلة، في مقدمتهم الفنانة الإماراتية أحلام، التي نشرت تغريدة مؤثرة على منصة X (تويتر سابقًا)، كتبت فيها:

“يلجمالك سومري ونظرات عينك بابلية”

كما علّقت الفنانة العراقية شذى حسون عبر حسابها على إنستغرام:

“أنتي جميلة حبيبتي، وأمّچ أكيد كانت تضحك وياچ، مستحيل أم تتنمر على بنتها..”

وقد اعتبر البعض هذه التصريحات محاولة لتهدئة التوتر الجماهيري وتقديم قراءة إيجابية أو متسامحة لموقف الأم، إلا أن الغالبية رأت في الأمر تجاوزًا لا يمكن تبريره.

الطفلة تدافع عن والدتها

وسط هذا التصعيد الكبير، ظهرت الطفلة مجددًا في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت، تقول فيه:

“أمي تناديني بالبنت الجلحة مزاحًا، بس هي تحبني، وما تقصد شيء.”

أثار هذا الفيديو تعاطفًا مضاعفًا، لكنه زاد من الجدل أيضًا، إذ اعتبره كثيرون محاولة لحماية الأم من العواقب المجتمعية، مؤكدين أن الطفل لا يجب أن يُحمّل مسؤولية الدفاع عن سلوك الكبار.

البعد النفسي: ماذا يقول المختصون؟

أجمع خبراء التربية وعلم النفس أن إطلاق كلمات مثل “جلحة” على الأطفال قد يُسبب آثارًا نفسية دائمة، لا سيما حين تُقال من أقرب الأشخاص إليهم. وأوضح الأخصائيون أن الهوية الجمالية والنفسية للأطفال تتشكل في مراحل مبكرة، وأن التحقير أو السخرية قد يؤدي إلى:

  • ضعف الثقة بالنفس
  • اضطرابات في السلوك الاجتماعي
  • ميل للعزلة أو العدوانية
  • شعور مستمر بالنقص

وأشار بعضهم إلى أن التنمر الأسري – وإن تم تبريره بالمزاح – يُعد أخطر من التنمر المدرسي، لأنه يأتي من البيئة التي يُفترض أن تكون الأكثر أمانًا.

قوانين حماية الطفل في العراق: ماذا تقول؟

رغم أن العراق اعتمد قانون حماية الطفل، إلا أن تنفيذ هذا القانون يواجه تحديات كثيرة على الأرض. فعادة ما يتم التغاضي عن الانتهاكات اللفظية أو النفسية داخل الأسرة، طالما لم تؤدِ إلى أضرار جسدية واضحة.

مع ذلك، شدد نشطاء حقوقيون على ضرورة تعزيز التوعية الأسرية، ونشر ثقافة احترام مشاعر الأطفال، وتوضيح أن العبارات الجارحة – ولو كانت على سبيل المزاح – تترك آثارًا لا تُمحى.

دروس من الحادثة

هذه الحادثة المؤسفة، رغم قِصرها، فتحت بابًا واسعًا من النقاش حول:

  • المفاهيم الشعبية الخاطئة حول “الدلع” و”المزاح”
  • دور الإعلام في تصحيح المفاهيم السائدة
  • خطورة السخرية من الشكل أو اللون أو الملامح الجسدية
  • أهمية التربية الواعية في تعزيز ثقة الطفل بنفسه

هل ستُنسى “جلحة” كما تُنسى القضايا الأخرى؟

ربما ينتهي الجدل قريبًا، وتختفي كلمة “جلحة” من العناوين العريضة، لكن الأثر الذي تركته في وعي المجتمع العراقي سيبقى. لقد أظهر هذا الموقف أن الجمهور أصبح أكثر حساسية تجاه قضايا حقوق الأطفال، والتربية الإيجابية، والعدالة الجمالية، وهذه بحد ذاتها خطوة متقدمة نحو بناء مجتمع أكثر وعيًا واحترامًا للإنسان.

الخلاصة:

كلمة واحدة قد تجرح أكثر من ألف ضربة. لذا على الأهل أن يزنوا كلماتهم بدقة أمام أطفالهم، فكل كلمة تُقال، تُخزَّن في ذاكرة الطفولة وتبني – أو تهدم – الشخصية. وما حادثة “جلحة” إلا تذكير صارخ بأن السخرية ليست بريئة دائمًا، وأن الحب لا يُبرر الإهانة، حتى لو غُلّفت بالضحك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى