كيف يحتفل الشيعة بعيد الغدير 2025/ 1446؟ من النجف إلى نينوى

طقوس عيد الغدير 2025 في العراق

مع حلول الثامن عشر من شهر ذي الحجة لعام 1446 هجري، والموافق تقريبًا ليوم السبت 14 يونيو 2025 ميلادي، يحتفل المسلمون الشيعة في مختلف أنحاء العالم، لا سيما في العراق وإيران ولبنان والبحرين، بعيد الغدير، الذي يعد من أعظم المناسبات الدينية لديهم. يُعرف هذا اليوم بكونه اليوم الذي، بحسب المعتقد الشيعي، أعلن فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولاية الإمام علي بن أبي طالب كخليفة ووصي بعده، وذلك في منطقة غدير خم القريبة من الجحفة.

ما هو عيد الغدير؟

عيد الغدير هو مناسبة دينية شيعية تُحيى سنويًا في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، استنادًا إلى ما يرويه الشيعة عن خطبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في غدير خم بعد عودته من حجة الوداع، حين أعلن: “من كنت مولاه، فعلي مولاه”. يعتقد الشيعة أن هذه العبارة إعلان واضح بتنصيب علي بن أبي طالب إمامًا وخليفة للمسلمين، وبالتالي فإن هذا اليوم عندهم هو يوم الولاية وإتمام الدين.

البعد الديني والرمزي لعيد الغدير

لا يقتصر عيد الغدير على طقوس الفرح والزيارة، بل يمثل عند الشيعة لحظة رمزية عميقة تؤسس لفكر الولاية والقيادة الدينية الشرعية. يُقال في كتبهم إن هذا اليوم هو “يوم كمال الدين وإتمام النعمة”، وقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: “لو يعلم الناس ما في فضل يوم الغدير لصافحتهم الملائكة كل يوم عشر مرات”.

الاحتفالات تبدأ ليلة العيد

في العراق، يبدأ الشيعة الاحتفال بعيد الغدير من مساء يوم السابع عشر من شهر ذي الحجة، إذ تتجه الأنظار إلى مدينة النجف الأشرف حيث يرقد الإمام علي بن أبي طالب. تتوافد الوفود من مختلف المحافظات العراقية، وبعضها من دول الجوار، حاملين الورود والهدايا والشموع. يُعد هذا التجمع الأكبر خلال العام بعد زيارة الأربعين في كربلاء.

زيارة النجف.. محور الاحتفال في العراق

النجف تتحول إلى مركز إشعاع ديني واجتماعي خلال عيد الغدير. تبدأ الجموع بالتوافد على مرقد الإمام علي منذ العصر وحتى ساعات الصباح الأولى من يوم العيد. تُتلى الأدعية والزيارات الخاصة بالغدير، وتُرفع الأعلام، وتتردد الزوامل والإنشاد في محيط الضريح. تُغلق الطرق المؤدية إلى المرقد أمام السيارات، وتُخصص ممرات للمشاة فقط لتسهيل الحركة.

الحلويات العراقية التقليدية: “الدهين” و”حلال المشاكل”

الحلويات عنصر لا يتجزأ من الطقوس. في النجف، تكثر محال بيع حلوى “الدهين” المصنوعة من السمن والمكسرات وجوز الهند، وتوزع مجانًا أو تباع بكميات كبيرة. تنتشر أيضًا حلوى “الملبس”، و”الحلقوم”، و”حلال المشاكل” (وهي خليط من المكسرات والسكريات) التي تحمل دلالات رمزية في الثقافة الشعبية الشيعية.

طقس “المؤاخاة”: شعيرة رمزية

من أبرز الطقوس في صباح عيد الغدير ما يُعرف بـ “طقس المؤاخاة”، حيث يُصافح الأشخاص بعضهم بعضًا ويضع كلٌ منهم يده في يد الآخر قائلًا: “أخيتك في الله، فهل تؤاخيني؟”. هذا الطقس يعكس مبدأ الأخوّة الإيمانية في هذا اليوم، ويتشارك به الغرباء قبل الأقارب.

أزياء العيد.. الألوان المبهجة في مقابل السواد

بعكس ما يحدث في عاشوراء، حيث يسود اللون الأسود، يغلب على عيد الغدير الألوان المبهجة: الأبيض، الأخضر، الأزرق، والزهري. تحرص النساء على ارتداء عباءات مُزينة، وتُلبس الفتيات الصغيرات فساتين العيد، وتُزين رؤوسهن بالورود الاصطناعية أو الطبيعية.

احتفالات النساء في بغداد والكاظمية

في حال تعذر السفر إلى النجف، تحتفل العائلات في بغداد بزيارة ضريحي الإمامين الكاظم والجواد في مدينة الكاظمية. تُقام هناك صلوات وأدعية جماعية، ويتم توزيع الحلوى، كما تنتشر الزينة في الشوارع المجاورة للأضرحة.

كربلاء وسهل نينوى.. حضور لا يغيب

في كربلاء، يحتفل الزائرون بزيارة الإمام الحسين وأخيه العباس. أما في سهل نينوى، فتحتفل الطوائف الشيعية من الشبك والتركمان بطرق تقليدية داخل الحسينيات، أو بزيارة مقامات دينية كـ مقام الإمام زين العابدين والإمام علي بن موسى الرضا.

عطلة رسمية في العراق.. ومطالبات بتوسيعها

في مايو 2025، صوت البرلمان العراقي رسميًا على إدراج يوم الغدير ضمن العطل الرسمية، وهو مطلب لطالما رفعه رجال الدين، خصوصًا مقتدى الصدر الذي نشر عبر حسابه في منصة “إكس” مطالبًا باعتماد يوم الغدير عطلة وطنية. وقد رحب الجمهور الشيعي بهذا القرار، معتبرينه تكريسًا لهويتهم وتاريخهم.

بين الفرح والتعبئة.. عيد الغدير والبعد السياسي

رغم المظاهر الاحتفالية والدينية، لا يخلو عيد الغدير من توظيف سياسي، خصوصًا في العراق وإيران. يعتبره البعض منصة لتأكيد الوجود الشيعي، وترسيخ الهوية المذهبية. يُستثمر الحدث في دعم التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية الشيعية، ويُطرح فيه خطاب تعبوي قوي حول الولاء والولاية.

الاحتفال في دول أخرى: إيران، لبنان، البحرين

في إيران، يُحتفل بالغدير عبر احتفالات مركزية في مدينة قم ومشهد، وتُوزع الكتب والنشرات الدينية. في لبنان، تنظم “حزب الله” احتفالات شعبية في الضاحية الجنوبية وصور والنبطية، حيث تُرفع صور الإمام علي ويُلقى الشعر والمدائح. في البحرين، ورغم القيود، يحتفل المواطنون الشيعة في مناطقهم الخاصة بحذر، داخل البيوت أو في الحسينيات.

هل توجد طقوس موحدة بين الشيعة في العالم؟

لا. تختلف الطقوس حسب الأعراف المحلية والمستوى السياسي والديني. فبينما يغلب الطابع الشعبي والاحتفالي في العراق، نجد الطابع التنظيمي والسياسي في إيران، في حين تسود السرية والمحدودية في البحرين والسعودية بسبب الأوضاع الأمنية.

خاتمة: عيد الغدير بين الطقوس والإيمان والانتماء

يبقى عيد الغدير أحد أبرز المناسبات الشيعية وأكثرها جذبًا وتنوعًا في الطقوس والمعاني. تتعدد أشكال الاحتفال به من منطقة لأخرى، لكن يبقى القاسم المشترك فيه هو محبة الإمام علي والولاء لأهل البيت. ورغم التحديات التي تواجهه كمناسبة “طائفية” في بعض السياقات، إلا أنه يُمثل بالنسبة لأتباع المذهب الشيعي لحظة من السكينة، والتواصل، وتجديد العهد مع مبادئهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى