ما هو عيد الغدير 2025 عيد خم 1446؟ قراءة في الجدلية التاريخية والعقائدية

يُعد عيد الغدير أحد أبرز المناسبات الدينية لدى الطائفة الشيعية، إذ يحتفل الملايين في الثامن عشر من ذي الحجة كل عام بذكرى يُعتقد أنها شهدت إعلان النبي محمد ﷺ للإمام علي بن أبي طالب خليفة ووليًا للمسلمين، وفقًا لحديث “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”. هذه المناسبة، التي تُعرف أيضًا بـ”عيد الولاية”، تتجاوز الطابع الاحتفالي، لتُجسد رؤية عقدية وسياسية تمتد عبر التاريخ وتثير جدلًا تأويليًا بين المذاهب الإسلامية، وعلى رأسها أهل السنة والجماعة.

بين اللغة والتاريخ: تشابك التسميات ودلالاتها

تحمل تسمية “عيد الغدير” دلالة مكانية نسبة إلى غدير خم، وهو موضع يقع قرب الجحفة بين مكة والمدينة. بينما يعتمده الشيعة عيدًا للولاية، تُفهم الواقعة عند أهل السنة بأنها تأكيد لمكانة الإمام علي دون أن تعني خلافته.

بدايات احتفالات عيد الغدير

يعود الاحتفال بهذه الذكرى إلى أتباع الإمام علي منذ القرون الهجرية الأولى، لكن الطقوس الرسمية بدأت تظهر جليًا في ظل الحكم الفاطمي، ثم ازدهرت في الدولة الصفوية، واستمرت حتى اليوم في العراق وإيران واليمن ولبنان وغيرها.

عيد الغدير من الطقس الديني إلى الشعار السياسي

تُوظف هذه المناسبة لتأكيد الولاء السياسي في الدول الشيعية. فقد حوّل الفاطميون والصفويون عيد الغدير إلى مناسبة رسمية تُعزز شرعية الحكم المذهبي. وفي العصر الحديث، تحوّلت النجف إلى مركز شعبي وروحي للاحتفال به.

صراع الاعتراف: العيد الذي يرفضه الآخرون

يرى أهل السنة أن عيد الغدير غير مشروع شرعًا، ويؤمنون بعيدي الفطر والأضحى فقط. ويُعتبر الاحتفال به بدعة محدثة لم يرد فيها نص في الكتاب أو السنة. بينما يُدافع الشيعة عن شرعيته بالعقيدة والنصوص التفسيرية.

الجدل حول آية “اليوم أكملت لكم دينكم”

يستشهد الشيعة بهذه الآية كدليل على أن واقعة الغدير كانت تتويجًا للدين عبر تنصيب الإمام علي. بالمقابل، يرد أهل السنة بأن الآية نزلت في يوم عرفة، وليست مرتبطة بالغدير، استنادًا إلى روايات صحيحة عن عمر بن الخطاب.

فتوى ابن باز كنموذج للرد السني

الشيخ عبد العزيز بن باز اعتبر القول بأن النبي ﷺ نصّ على خلافة علي باطلًا لا دليل عليه. وأكد أن الصحابة أجمعوا على بيعة أبي بكر، بما فيهم علي بن أبي طالب نفسه، ولم يُعرف عن علي أي اعتراض أو ادعاء بوصية صريحة.

واقعة غدير خم من منظور أهل السنة

بحسب الروايات السنية، جاءت واقعة غدير خم بعد مواقف انتقد فيها بعض الصحابة عليًا أثناء قيادته في اليمن، فأراد النبي الدفاع عنه وبيان فضله. لذلك قال: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، في سياق رفع اللبس، وليس لإعلان خلافته.

عيد الغدير في الروايات السنية: بدعة تاريخية

تاريخيًا، لم يُعرف هذا العيد إلا بعد حكم معز الدولة البويهي سنة 352 هـ، الذي أمر بإظهار الزينة والاحتفال. ووصفه كبار المؤرخين مثل ابن كثير والذهبي بأنه “بدعة شنيعة”، وأنه لم يُحتفل به لا في عهد النبي ولا الصحابة ولا التابعين.

الطقوس الشيعية في عيد الغدير

يشمل الاحتفال صيام اليوم، إقامة الولائم، عقد الولاء، قراءة الأدعية الخاصة، الاغتسال، تبادل الهدايا، وحتى تنظيم المسيرات والمهرجانات في المدن المقدسة. وتُعد هذه الطقوس جزءًا من التعبير عن الولاء لأهل البيت.

موقف أهل السنة من تلك الطقوس

يعتبر أهل السنة تلك الطقوس من المحدثات، ويؤكدون أن الدين اكتمل بوفاة النبي ﷺ، وأن الأعياد محددة في النص الشرعي، ولا يجوز إحداث عيد ثالث في الإسلام، خصوصًا إذا ارتبط بتأويل سياسي أو مذهبي متنازع عليه.

بين الرواية الشيعية والسنية: تأويلان متضادان

بينما يرى الشيعة أن واقعة الغدير لحظة تتويج الإمام علي، يؤكد أهل السنة أنها لحظة توضيح فضل لا إعلان وصية. هذا التباين التأويلي لا يعكس فقط خلافًا دينيًا بل أيضًا صراعًا حول الشرعية التاريخية ورموز الهوية.

عيد الغدير: ساحة جدلية بين الدين والسياسة

يُعيد الاحتفال بالغدير كل عام طرح الأسئلة الكبرى حول مفهوم القيادة الدينية، ومشروعية الخلافة، وحدود النصوص الشرعية، ومدى سلطة التأويل الديني في صياغة التاريخ. وهو ما يجعل من عيد الغدير أكثر من مجرد احتفال، بل مناسبة تختصر معركة تأويلية مستمرة.

خاتمة: هل يمكن التعايش مع الخلاف؟

تبقى مناسبة عيد الغدير عنوانًا لمأزق تاريخي بين مدرستين فكريتين في الإسلام، وتُمثل نموذجًا حيًا لتأثير النصوص في تشكيل الهوية الدينية والسياسية. وبين الاحتفال والإنكار، تظل الحقيقة التاريخية بحاجة إلى قراءة علمية موضوعية تبتعد عن العصبية، وتُقر بالتعددية الدينية دون أن تُفرض رواية واحدة باعتبارها الحقيقة المطلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى