وفاة أنيس الجردمي.. تساؤلات حادة حول ظروف الاعتقال وغياب العدالة

شهدت الساحة السياسية في جنوب اليمن صدمة كبيرة بعد الإعلان عن وفاة الناشط السياسي المعروف أنيس سعد ناصر الجردمي، أحد أبرز الأصوات المعارضة لبعض سياسات المجلس الانتقالي الجنوبي. وجاءت الوفاة بعد أيام من مكوثه في العناية المركزة بمستشفى بعدن، إثر تدهور حاد في حالته الصحية، وسط اتهامات حقوقية بتعرضه للتعذيب داخل مركز احتجاز أمني.

من هو أنيس الجردمي؟

أنيس الجردمي هو ناشط سياسي وحقوقي معروف بمواقفه الجريئة والمباشرة تجاه التجاوزات التي يشهدها الجنوب. لطالما عبّر عن رفضه لاختزال مشروع القضية الجنوبية في أشخاص أو مكونات بعينها، وساند مطالب استعادة القرار الجنوبي المستقل، ما جعله عرضة للاستهداف والاعتقال.

ظروف اعتقال الجردمي

بحسب مصادر حقوقية ومحلية، فقد اعتُقل الجردمي قبل أسابيع من وفاته، على خلفية منشورات وتصريحات اعتُبرت تحريضية من قبل السلطات المحلية التابعة للمجلس الانتقالي. وقد تم اقتياده إلى أحد مراكز الحجز دون أن يُتاح لعائلته التواصل معه، في ظروف وُصفت بأنها “غامضة ومقلقة”.

وأفادت مصادر مقربة أن الجردمي نُقل إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ، بينما لم تصدر السلطات أي توضيح فوري بشأن وضعه الصحي في حينه.

الغضب الشعبي وردود الفعل

أشعل خبر وفاته مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر اسمه وسم “#العدالة_لأنيس_الجردمي”، وانهالت التغريدات والمنشورات المطالبة بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين. ووصفه الناشطون بأنه “دفع ثمن مواقفه الوطنية بشجاعة”.

كما أعاد عدد كبير من رواد مواقع التواصل نشر مقاطع سابقة للجردمي، يتحدث فيها عن الظلم وضرورة التصدي لمحاولات فرض الهيمنة على القرار الجنوبي، وهي المقاطع التي اعتُبرت سببًا رئيسيًا لاعتقاله.

بيان الحزام الأمني: نفي للاتهامات وتأكيد على المسار القانوني

في أعقاب موجة الانتقادات، أصدرت قوات الحزام الأمني في العاصمة عدن بيانًا توضيحيًا، نفت فيه تعرض الجردمي لأي شكل من أشكال التعذيب، مؤكدة أن توقيفه تم بأمر قضائي صادر عن نيابة الأمن والبحث بعدن، بتاريخ 1 أبريل 2025.

وجاء في البيان أن الجردمي أودع في الحجز على ذمة التحقيق بتهم تتعلق بالإساءة والتحريض، وأنه نُقل إلى المستشفى فور تعرضه لعارض صحي، وأن حالته كانت “مستقرة” في بداية الأمر.

كما أكدت قوات الحزام الأمني التزامها الكامل باحترام حقوق الإنسان والشفافية في التعامل مع جميع القضايا، محذرة من الانجرار خلف الإشاعات أو تحريف الوقائع.

المنظمات الحقوقية تطالب بتحقيق محايد

على الجانب الآخر، طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية بضرورة فتح تحقيق محايد ومستقل للكشف عن ملابسات الوفاة، وأكدت أن صدور بيانات رسمية لا يُغني عن فتح ملف شفاف يُخضع المتورطين – إن وُجدوا – للمساءلة، احترامًا لمبادئ القانون وحقوق الإنسان.

وقالت إحدى المنظمات المعنية بالحريات في بيان عاجل: “يجب ألا تكون وفاة أنيس الجردمي مجرد رقم يُضاف إلى قائمة ضحايا التضييق السياسي، بل يجب أن تتحول إلى مناسبة لإعادة تقييم ظروف الاحتجاز وضمانات المحاكمة العادلة داخل السجون الرسمية وغير الرسمية”.

موقف أسرة الجردمي ومطالبهم

أعربت أسرة الفقيد عن ألمها البالغ لفقدان نجلها في ظروف وصفتها بـ”المريبة”، وطالبت في بيان مقتضب بفتح تحقيق عاجل بإشراف جهات محايدة، وبتوفير الحماية القانونية لباقي أفراد العائلة، لا سيما في ظل التهديدات التي قالت الأسرة إنها تتلقاها منذ انتشار القضية.

هل تكون الوفاة بداية لمراجعة ممارسات الاحتجاز؟

تكشف قضية أنيس الجردمي مجددًا عن الحاجة الماسة لتقييم طبيعة الممارسات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة المكونات السياسية المسلحة، وضرورة العودة إلى المسار المؤسسي في معالجة الخلافات السياسية.

ويرى مراقبون أن وفاة الجردمي يجب أن تكون بمثابة إنذار مبكر لما يمكن أن تؤدي إليه حملات الاعتقال السياسي خارج الأطر القانونية، خاصة في بيئة مشحونة بالاستقطاب.

خلاصة

وفاة أنيس الجردمي ليست مجرد حدث عرضي، بل هي قصة رجل واجه بأفكاره الجريئة تيارًا لا يقبل الصوت الآخر. وهي مناسبة لطرح تساؤلات حقيقية: ما هي حدود حرية التعبير في جنوب اليمن اليوم؟ ومتى تتحول المؤسسات الأمنية إلى أدوات حماية لا أدوات قمع؟

العدالة لأنيس الجردمي، ليست فقط في محاسبة من تسبب في وفاته، بل في حماية من تبقّى من أصحاب الرأي، قبل أن نُفجع باسم جديد كل فترة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى