تفاصيل وأسباب وفاة الصحفية هاجر حرب.. سيرة نضال وقصة وداع مؤثرة
غابت هاجر حرب، لكن ضوءها باقٍ في سماء الصحافة الفلسطينية. في مساءٍ حزين من مساءات قطاع غزة، الذي تعود على وداع الأبطال، أعلنت أسرتها نبأ رحيل الصحفية الاستقصائية هاجر حرب، بعد صراعٍ شجاعٍ ومريرٍ مع مرض السرطان، خاضته بكل ما يمكن أن يحمله جسد من ألم، وما يمكن أن تحمله روح من يقين.
لم تكن هاجر مجرد صحفية عابرة، ولا وجهًا نسائيًا يظهر في تقارير إخبارية، بل كانت صوتًا للحق في زمن كثرت فيه الأصوات المنكسرة. غادرت وهي تُمسك بالقلم، لا لتكتب به فحسب، بل لتواجه به منظومات من الفساد، وسلاسل من الصمت، وجدرانًا من الخوف.
هاجر، الاسم الذي ارتبط في الوجدان الفلسطيني والعربي بقضايا العدالة والكرامة، لم ترحل بصمت. بل ودّعت جمهورها بكلمات كتبتها من على سرير المرض، وقالت فيها:
“سامحت كل من آذاني.. وأرجو ممن له حق عندي أن يطالبني أو يبلغ ذويّ”.
سلامٌ على روحك، وعلى رسالتك التي ستبقى مشتعلة رغم رحيلك.
من هي هاجر حرب ويكيبيديا؟ السيرة الذاتية لصحفية لا تعرف المساومة
من غزة إلى وجدان الوطن
هاجر حرب، صحفية فلسطينية من قطاع غزة، نشأت وسط الحصار، وتعلمت باكرًا كيف تكتب تحت الركام، وتتكلم وسط الصمت. انطلقت من إعلام بسيط إلى تحقيقات استقصائية هزّت الرأي العام، وتربعت على عرش النزاهة المهنية في بيئة يُجرَّم فيها كشف الحقائق.
عملت في عدة وسائل إعلامية، أبرزها قنوات محلية، ومؤسسات إخبارية عربية، وكان لها حضور قوي على الشاشات وفي الميدان. لم تكن تتردد في اقتحام الملفات الشائكة، ولا تتراجع حين تصطدم بجدران السياسة أو المال.
سبب وفاة هاجر حرب الحقيقي: حين يتحول التحقيق إلى قدر شخصي
السرطان.. خصمها الأخير
لم تكن هاجر يومًا بعيدة عن القصص المؤلمة، بل كانت ترصدها وتوثقها وتنشرها للعالم، وخصوصًا قضايا مرضى السرطان في غزة. وكانت تكتب بلهفة إنسانية عن معاناتهم مع نقص العلاج، وصعوبة التحويلات الطبية، وانعدام الأمل أحيانًا.
لكن القَدَر، بعناده المفجع، قرر أن يجعلها جزءًا من القصة، لا ناقلةً لها فقط. ففي السنوات الأخيرة، أعلنت هاجر أنها أُصيبت بسرطان نادر وخطير، يحتاج لعلاج خارج غزة، ومراحل متقدمة من الرعاية، وهو ما لم يكن متاحًا بسهولة في ظل الوضع السياسي والطبي المعقد داخل القطاع.
ورغم ذلك، واصلت هاجر نضالها الإعلامي وهي على سرير المستشفى، تكتب وتنشر وتنتقد وتطالب وتحلم، إلى أن وصلت لحالة حرجة مؤخرًا، أعلنت فيها طبيًا أن “الوقت المتبقي محدود جدًا”.
كيف تعاملت هاجر حرب مع مرضها؟ رسالة وداع تهز الأرواح
في منشور مؤلم كتبته في أبريل الماضي، كتبت هاجر:
“قال لي الأطباء إنني لن أعيش أكثر من شهر ونصف.. سامحت كل من آذاني، وأرجو من له حق عندي أن يطالبني أو يبلغ به ذويّ”.
لم يكن منشورها مجرد إعلان، بل وثيقة إنسانية، نقلت فيها روح الرضا والتسليم، لا الاستسلام. كانت تعرف أنها قد لا تبقى طويلًا، لكنها أرادت أن تبقى نقيّة، لا تحمل ثقل الأحقاد، وتترك للعالم نسخةً منها تطلب السلام أكثر من أن تطلب الشفقة.
هاجر حرب والعمل الاستقصائي: معارك بلا خوذة
“سبوبة الغلابة”.. نقطة تحول
في عام 2019، حازت هاجر على جائزة أفضل تحقيق استقصائي في فلسطين عن تحقيقها الشهير: “مساكن الغلابة سبوبة”، الذي كشف عن تلاعب خطير في توزيع منح إعمار منازل دمرت خلال الحرب على غزة.
كشف التحقيق عن وجود تجاوزات وفساد صريح في توزيع المساعدات، وأسماء وهمية، وغياب الشفافية في ملف إنساني بالغ الأهمية. ورغم التهديدات، وُجهت لها مذكرات استدعاء واتهامات بالتشهير، لكنها لم تتراجع.
هاجر لم تكن “بطلة حبر”، بل خاضت محاكم، وواجهت شخصيات متنفذة، وقالت في إحدى الجلسات:
“أنا لا أسيء، بل أنقل الحقيقة كما هي. فليُحاسب من يستحق، لا من يكشف.”
- في عيون محبيها: شهادات لا تموت
- فتحي صباح: “فارسة الصحافة ترجلت”
- نعى الصحفي البارز فتحي صباح زميلته قائلًا:
“ترجلت عن صهوة جواد الصحافة فارسة لم تملّ من الدفاع عن قضايا الناس.”
كلمات تلخص شخصية هاجر التي عرفت كيف تمشي على الحبل المشدود بين مهنة محفوفة بالمخاطر، وبين قناعة داخلية بأن قول الحق واجب، لا خيار.
سحر رمضان: “عروس الفردوس”
أما صديقتها الإعلامية سحر رمضان فقد كتبت بنبرة اختلط فيها الوجع بالفخر:
“أاه يا عروسة الفردوس.. ارتحتي من قبح الدنيا”.
وجاءت كلماتها كأنها تودع شقيقتها، لا زميلتها فقط، في مشهد يكشف حجم الأثر الذي تركته هاجر في نفوس من حولها.
التفاعل الشعبي بعد وفاتها: غزة تبكي بصمت
رغم الحزن الذي لفّ الشارع الغزّي بعد إعلان وفاتها، إلا أن مواقع التواصل تحولت إلى منصة عزاء وطنية. تدافع الناس لكتابة المنشورات، وإعادة نشر تحقيقاتها، ومشاركة مقاطع قديمة من تغطياتها.
- وسم #هاجر_حرب يتصدر
تصدر وسم #هاجر_حرب مواقع التواصل في فلسطين والأردن ولبنان، وكتب أحد المتابعين:
“لم أكن أعرفها شخصيًا، لكنني شعرت أنني فقدت أختًا وشريكة في الحلم.”
ما الذي خسرته الصحافة الفلسطينية برحيل هاجر حرب؟
- صوت استقصائي لا يساوم
- شجاعة نادرة في بيئة صعبة
- دفاع لا متناهي عن المستضعفين
- رسالة إعلامية إنسانية تتجاوز المهنة إلى الروح