أسباب وتفاصيل حريق سفينة ASL Bauhinia تهدد بضائع بقيمة 60 مليون دينار لـ500 تاجر أردني
في لحظة صادمة من فصول التجارة البحرية، اندلع حريق ضخم في سفينة الشحن التجارية “ASL Bauhinia”، التي كانت تحمل على متنها بضائع تقدر قيمتها بنحو 60 مليون دينار أردني، في طريقها من ميناء علي في الإمارات العربية المتحدة إلى ميناء العقبة الأردني.
لكن القصة لم تكن مجرد حريق عابر، بل فصل جديد في مأساة طالت أرزاق نحو 500 تاجر أردني، علّقوا آمالهم على تلك الحمولة، وكانت الشحنة المفصلية لموسمهم التجاري.
حادثة الحريق التي وقعت في يناير/كانون الثاني الماضي تحوّلت إلى أزمة وطنية، ليس فقط بفعل حجم الخسائر، بل بسبب التبعات القانونية، والشكوك حول مسؤولية الجهات الناقلة، والأسئلة الحائرة: من سيعوّض؟ ومن يتحمّل الخطأ؟
تفاصيل حادث حريق سفينة ASL Bauhinia: كيف اندلع الحريق في “ASL Bauhinia”؟
وفقًا للتقارير الأولية، كانت السفينة التجارية ASL Bauhinia تبحر في مسار معتاد يربط الخليج العربي بميناء العقبة، محمّلة بمئات الحاويات التي تتضمن بضائع متنوعة: من الأقمشة والملابس، إلى الإلكترونيات والمواد الاستهلاكية.
لكن وفي منتصف الرحلة، وخلال تواجد السفينة في المياه الدولية، اندلع حريق مفاجئ في أحد عنابر السفينة، ويُرجَّح أن السبب يعود إلى ماس كهربائي في إحدى الحاويات أو تفاعل حراري لمواد قابلة للاشتعال.
ورغم التدخل السريع من طواقم الإطفاء على متن السفينة، ومساعدة فرق بحرية إقليمية، فإن النيران التهمت عددًا كبيرًا من الحاويات قبل أن يُتمكّن من السيطرة عليها.
حجم الخسائر: أكثر من 60 مليون دينار في مهب الريح
قدّرت غرفة تجارة الأردن أن الخسائر المباشرة الناتجة عن الحريق تجاوزت 60 مليون دينار أردني، موزعة على أكثر من 500 تاجر، معظمهم من أصحاب المحال التجارية الصغيرة والمتوسطة، الذين كانوا يترقّبون وصول هذه الشحنات لموسم الربيع والصيف.
وتُشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من الشحنات المتضررة لم تكن مؤمّنة بشكل شامل ضد الكوارث البحرية، أو أن وثائق التأمين لم تشمل كل جوانب الخطر.
ردود فعل التجار: غضب، ذهول، وخوف من الإفلاس
تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى منبر لغضب التجار المتضررين، الذين أعلن بعضهم أن رأسماله بالكامل كان على ظهر السفينة، وأن خسارة الشحنة تعني نهاية نشاطهم التجاري.
كتب أحد التجار على فيسبوك:
“منذ سنوات وأنا أعمل بتعب وشقاء، واستثمرت كل ما أملك في هذه الشحنة.. والآن؟ لا بضاعة، ولا تعويض، ولا حتى إجابة واضحة!”
وتكررت القصص، بين من كان يستورد لأول مرة، ومن راهن على موسم الأعياد، ومن التزم بصفقات مسبقة ينتظره فيها زبائن وسلاسل توزيع.
من المسؤول عن الكارثة؟
القضية الآن تخضع لتحقيقات مشتركة بين الجهات الأردنية، وشركات الشحن، وهيئات الموانئ، وشركات التأمين.
وبحسب مصادر مطلعة، هناك ثلاث جهات رئيسية قد تتحمل المسؤولية:
- شركة الشحن المالكة للسفينة: بسبب احتمال وجود تقصير في صيانة السفينة أو سوء ترتيب الحاويات.
- الجهة المصدّرة أو المشحّن: إن تبيّن أن إحدى الحاويات تم تحميلها دون تصريح دقيق عن طبيعة المواد.
- شركات التأمين: التي قد تواجه دعاوى قضائية من التجار إذا رفضت تعويضهم رغم وجود عقود تأمين جزئي أو شامل.
ماذا تقول الجهات الرسمية؟
أصدرت غرفة تجارة الأردن بيانًا طالبت فيه بتشكيل لجنة طارئة لدراسة أبعاد الحادث، والعمل على تأمين حقوق التجار المتضررين، كما دعت الحكومة إلى ممارسة ضغط دبلوماسي وقانوني لضمان التعويض العادل.
فيما أعلنت وزارة النقل أنها فتحت تحقيقًا رسميًا، بالتعاون مع هيئة الملاحة البحرية، لتحديد الجهة المسؤولة عن الحريق، وأكدت أن نتائج التحقيقات ستُعلن بشفافية فور اكتمالها.
الأثر الاقتصادي على السوق الأردني
بخلاف الخسائر الفردية، بدأت تظهر بوادر نقص في عدد من المنتجات، لا سيما الألبسة المستوردة، والإكسسوارات، والإلكترونيات منخفضة التكلفة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها في السوق المحلي خلال الأسابيع الأخيرة.
كما أن عددًا من المحال التجارية في عمّان وإربد والزرقاء أعلنت تأجيل العروض الموسمية، أو إعادة ترتيب البضائع لتقليل الخسائر، في ظل غياب الشحنات المنتظرة.
هل هناك سابقة مماثلة؟ وكيف تعاملت الدول الأخرى؟
حادثة ASL Bauhinia ليست الأولى من نوعها في عالم التجارة البحرية. ففي السنوات الأخيرة، شهد العالم حوادث مشابهه لسفن عملاقة مثل Ever Given التي أغلقت قناة السويس مؤقتًا، وحريق MSC Flaminia في المحيط الأطلسي.
لكن ما يميّز حادثة العقبة أن الضحايا ليسوا فقط شركات عملاقة، بل صغار التجار الذين لا يملكون القدرة على امتصاص الخسائر أو دخول معارك قانونية طويلة.
في دول أخرى، مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية، تم إنشاء صناديق دعم طارئة لتعويض المتضررين من الحوادث البحرية، ضمن استراتيجية وطنية لحماية الأمن الاقتصادي الداخلي.
مطالب التجار: إنقاذ ما يمكن إنقاذه
رفع التجار الأردنيون عدة مطالب إلى الجهات الرسمية، أبرزها:
- إنشاء صندوق طوارئ لدعم المتضررين.
- التفاوض مع شركات التأمين لإيجاد حلول وسط.
- تسريع التحقيقات ونشر نتائجها بشكل علني.
- اعتماد نظام تأمين بحري إلزامي أكثر صرامة.
- تقديم قروض بدون فوائد أو تأجيل سداد الديون التجارية للمتضررين.
آفاق ما بعد الكارثة: دروس يجب استيعابها
كشفت الكارثة عن خلل كبير في منظومة الشحن التجاري، بدءًا من ضعف الرقابة على طبيعة المواد المحمّلة، ومرورًا بشروط التأمين غير الواضحة، وانتهاءً بعدم وجود مرجعية وطنية للتعامل مع الكوارث البحرية.
لذا، يرى مختصون أنه يجب:
- تحديث اللوائح القانونية الخاصة بالشحن التجاري.
- توسيع نطاق التأمين ليشمل الكوارث المفاجئة.
- إنشاء منصة إلكترونية توثّق وتتبع الشحنات بدقة.
- فرض فحص إلزامي مشترك للحاويات قبل الإبحار.
خاتمة: بين الرماد والرجاء
رغم أن الحريق أتى على الشحنة، وأحرق معها أحلام المئات، إلا أن القصة لم تنتهِ بعد. فهناك تحقيقات، وهناك أمل في تعويض، وربما في بناء منظومة أكثر عدالة وصلابة.
يبقى أن يتحول هذا الحادث من مجرد مأساة تجارية إلى فرصة إصلاحية، تضع التاجر الأردني في موقع آمن، وتحميه من تقلبات البحر، وأخطاء الآخرين.