من هو جعفر بناهي ويكيبيديا السيرة الذاتية؟: من السجن إلى السعفة الذهبية

في لحظة استثنائية من التاريخ السينمائي، خُتمت الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي لعام 2025 بإعلان مفاجئ: فوز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية، أرفع جائزة تمنحها لجنة التحكيم لهذا الحدث العالمي العريق.

صعدت أنفاس الجمهور، بينما بقي المقعد شاغرًا على المسرح، تمامًا كما بقيت أفلام بناهي حاضرة وغائبة في الوقت ذاته عن المهرجانات الكبرى، بفعل الملاحقات السياسية، والمنع من السفر، والسجن.

لكن من هو جعفر بناهي؟ وما قصة هذا الرجل الذي تحوّل من مخرج ممنوع من الإخراج، إلى صوت عالمي لا يمكن كتمه؟ في هذا المقال، نغوص في سيرة مخرج استثنائي مزج بين السينما والحرية، وبين العدسة والوجع، وبين الشاشة والصوت المعارض.

فوز تاريخي في مهرجان كان 2025

في مساء ختام مهرجان كان السينمائي 2025، أعلنت لجنة التحكيم فوز فيلم It Was Just an Accident بجائزة السعفة الذهبية، وهي الجائزة التي تُعد حلمًا لكل صانع أفلام في العالم.

صاحب الفيلم، المخرج الإيراني جعفر بناهي، لم يكن حاضرًا شخصيًا، إذ لا يزال يعاني من قيود مفروضة عليه من قبل السلطات الإيرانية.

لكن حضوره كان طاغيًا، حتى دون أن تطأ قدماه السجادة الحمراء. فقد صفق له الجمهور واقفًا، كما تركت إدارة المهرجان مقعده خاليًا تكريمًا لتاريخه الطويل في مقاومة القمع السياسي عبر الفن.

الفيلم الفائز يروي قصة مجموعة من السجناء السياسيين، يقومون باختطاف رجل يظنون أنه كان المحقق الذي عذبهم في السجن. الفيلم مستوحى من تجربة بناهي الشخصية داخل الزنازين، ويحمل نقدًا عميقًا للعدالة الانتقائية في المجتمعات القمعية.

من هو جعفر بناهي ويكيبيديا؟ سيرة مخرج ضد التيار

ولد جعفر بناهي في 11 يونيو/ حزيران 1960 بمدينة ميانا شمال غرب إيران. ينتمي إلى عائلة متوسطة، وبدأت علاقته بالكتابة والفن مبكرًا. حين كان في العاشرة من عمره، كتب أول قصة له وفاز بجائزة على مستوى المدارس، وهو ما شكّل الشرارة الأولى لحلم الإبداع.

المسار الفني: من الكاميرا إلى العالمية

بدأ بناهي العمل في المجال السينمائي كمساعد للمخرج الإيراني الشهير عباس كياروستامي. ثم أخرج أول أفلامه الطويلة “البلدة البيضاء” عام 1995، والذي فاز بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان حينها، ما مهّد طريقه إلى النجومية العالمية.
توالت بعد ذلك أفلامه التي كسرت التابوهات الاجتماعية والسياسية، ومنها:

  • “الدائرة” (2000) – فيلم يناقش قضايا النساء في إيران، ومنع من العرض في الداخل لكنه فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا.
  • “هذا ليس فيلمًا” (2011) – صُوّر بكاميرا هاتف محمول داخل منزله بينما كان قيد الإقامة الجبرية. تم تهريبه إلى الخارج داخل فلاش USB مخبأ في علبة كعك.
  • “تاكسي طهران” (2015) – فيلم تم تصويره داخل سيارة أجرة، حيث لعب بناهي نفسه دور السائق، وفاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين.

معاناة بلا انقطاع: السجن والمنع من السفر

منذ عام 2010، دخل بناهي في صراع مباشر مع السلطات الإيرانية، بعدما أعلن تضامنه مع الحركة الإصلاحية، وعبّر عن مواقفه السياسية صراحة في أفلامه ومقابلاته.

أُلقي القبض عليه، وتعرض لمحاكمة قضت بسجنه 6 سنوات، ومنعه من الإخراج والكتابة والسفر لمدة 20 عامًا.

لكن كما قال هو:

“إذا كانوا يمنعونني من صنع الأفلام، فسأصور العالم بكلمات.. وإذا منعوني من الكلمات، سأرويها بالصور.. وإذا منعوني من كل شيء، سأحلم بها بصمت”.

بناهي لم يتوقف أبدًا. كتب وأخرج وصوّر أفلامه خلسة، وواصل إيصال صوته عبر المهرجانات، حتى بات رمزًا عالميًا للسينما المقاومة.

إبداع تحت القيد: كيف يصنع بناهي أفلامه؟

في ظل المنع من الإخراج، كان يجب أن يتحايل بناهي على الواقع. لذلك، اعتمد على تقنيات منخفضة التكلفة، وغالبًا ما صور في أماكن مغلقة، أو استخدم الكاميرات الصغيرة، أو استعان بأفراد من عائلته كممثلين.

في فيلم “تاكسي طهران”، استخدم سيارة تاكسي حقيقية، وتجول في شوارع طهران وهو يصوّر ردود فعل الناس، محولًا الفيلم إلى شهادة حيّة عن المجتمع الإيراني.

أما فيلمه الجديد It Was Just an Accident، فقد تم تصويره في موقع داخلي بسرية تامة، بينما تولّى التوزيع شركاء دوليون.

السينما كأداة مقاومة: رؤية بناهي للفن

يرى بناهي أن السينما ليست وسيلة ترفيه فقط، بل أداة لقول الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة. في إحدى مقابلاته النادرة قال:

“الفن يجب أن يُقلق السلطة، ويزعزع الاستبداد، لا أن يُجمّله.”

وهذه الفلسفة حاضرة في كل أفلامه، التي تطرح تساؤلات وجودية حول الحرية، والهوية، والعدالة، والحب، والمعاناة.

الشهرة العالمية مقابل النسيان المحلي

في الوقت الذي تُكرّمه فيه المهرجانات العالمية، فإن اسم بناهي محظور في الإعلام الإيراني، وأفلامه غير مسموح بعرضها داخل البلاد.

وهذا التناقض يعكس مأساة الفنان في المجتمعات المغلقة: حين يصبح الصوت الحر خطرًا، تُدفن الإبداعات خلف الجدران، ويُهاجم الفنان بدلًا من أن يُحتفى به.

هل هناك أمل بعودته إلى السينما رسميًا؟

رغم القيود، فإن فوز جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية لعام 2025، قد يُحدث ضغطًا دوليًا كبيرًا على الحكومة الإيرانية، من أجل إعادة النظر في موقفها منه.

وقد دعت شخصيات فنية عالمية ومنظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إلى رفع الحظر عنه، والسماح له بالعمل بحرية.

ومع تصاعد أصوات التضامن، يأمل الكثيرون أن يعود بناهي إلى الشاشات الكبرى دون أن يضطر للاختباء خلف الكاميرا أو التهريب عبر الفلاشات.

أعمال جعفر بناهي البارزة

  • البلدة البيضاء 1995 الكاميرا الذهبية – كان
  • الدائرة 2000 الأسد الذهبي – فينيسيا
  • هذا ليس فيلمًا 2011 عرض خاص – كان، تهريب رمزي
  • تاكسي طهران 2015 الدب الذهبي – برلين
  • It Was Just an Accident 2025 السعفة الذهبية – كان

ختامًا: الفن لا يُسجن
في قصة جعفر بناهي، تتجلى المقولة القديمة: “الكلمة قد تُمنع، لكن الفكرة لا تُكبت”.
لقد حوّل الرجل الحظر إلى مساحة إبداع، والقمع إلى محفّز على التأثير، والسجن إلى مادة سينمائية تعبّر عن جراح شعب بأكمله.

وإذا كان بناهي قد مُنع من حضور “كان”، فقد حضرت أفكاره وأفلامه وأحلامه بقوة، معلنة أن السينما الحقيقية لا تموت، وأن المبدع الأصيل يخلق النور حتى في أضيق الزنازين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى