سبب وفاة الطيب الطاهر.. قصة أوائل المهندسين الذين واجهوا الموت بكرامة في زمن الفوضى
في زحام الأحداث السودانية المؤلمة، وفي ظل الصراع المحتدم الذي يعصف بالبلاد، تمرّ أسماء كثيرة في خلفية المشهد، منها من يُنسى، ومنها من يظلّ خالدًا في وجدان الناس بفضل سيرة عطرة وعطاء لا ينضب.
من بين هذه الأسماء، يبرز اسم الباشمهندس الطيب الطاهر، أحد أوائل المهندسين السودانيين في مجال الكهرباء، والذي رحل عن الدنيا في ظروف غامضة، وسط تضارب الروايات، وتضاؤل المعلومات الرسمية.
توفي الطيب الطاهر، ولم تُعلن جهة رسمية حتى الآن تفاصيل دقيقة حول ظروف وفاته، لكن من تابعوا القضية وجدوا في القصص المتداولة والمقاطع المصورة ما يشير إلى مأساة إنسانية هزّت المجتمع السوداني. فمن هو هذا الرجل؟ ولماذا كانت وفاته محط اهتمام وقلق؟
من هو الطيب الطاهر ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ سيرة مهندس سبق زمانه
ينتمي الباشمهندس الطيب الطاهر إلى الجيل الأول من خريجي هندسة الكهرباء في السودان، حيث تخرج في سبعينيات القرن الماضي، في زمن كانت فيه البلاد تضع أقدامها على طريق التقدم الصناعي والتقني.
نشأته وأصوله
- الاسم الكامل: الطيب الطاهر
- اللقب الشائع: الباشمهندس
- مكان النشأة: قرية السريحة، السودان
- المهنة: مهندس كهربائي
- فترة النشاط: منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى ما بعد الألفية
نشأ الطيب في بيئة ريفية محافظة، عُرف فيها بالحكمة، والجدية، وحبه للعلم. اختار دراسة الهندسة في وقت لم يكن فيه هذا المجال متاحًا أو مشهورًا مثل اليوم، ليكون من أوائل من ساهموا في كهربة القرى والمناطق النائية في السودان.
الطيب الطاهر وقرية السريحة: حكاية وفاء وانتماء
أكثر ما ميّز سيرة الطيب الطاهر هو ارتباطه العضوي بمسقط رأسه قرية السريحة. لم يكن مجرد مهندس يعمل بالعاصمة ثم ينسى أهله، بل حرص منذ تخرجه على توظيف علمه في خدمة مجتمعه المحلي.
بجهوده:
- أنار منازل القرية.
- أنشأ شبكات كهرباء محلية.
- أشرف على مشاريع البنية التحتية التطوعية.
- دعم المدارس والمساجد والعيادات بخبرته ومعداته.
- لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يُطلق عليه أبناء السريحة لقب “الأب الروحي للتنمية الريفية”.
صفاته الشخصية: تواضع العلماء ونقاء السريرة
كل من عرف الطيب الطاهر أجمع على كونه:
- متدينًا زاهدًا في المظاهر.
- بشوش الوجه، لا تفارق الابتسامة محياه.
- خدومًا بطبعه، لا يتوانى عن خدمة أي محتاج.
- متواضعًا رغم مكانته العلمية، فلم يشعر من حوله يومًا أنه أعلى منهم.
- رجل مواقف، حيث وقف مع الحق في قضايا كثيرة رغم صمته الإعلامي.
ماذا حدث؟ اللحظات الأخيرة في حياة الطيب الطاهر
هنا تبدأ فصول الغموض والألم…
في مايو 2024، بدأت تنتشر على منصة “X” (تويتر سابقًا) وبعض صفحات فيسبوك مقاطع فيديو تُظهر رجلاً مُسنًا يتعرض للتهديد والإهانة من قِبل أفراد يُزعم أنهم ينتمون إلى قوات الدعم السريع.
بعض المنشورات ربطت هذا الرجل بـ الطيب الطاهر، وبدأت الأخبار تتحدث عن تعرضه لمعاملة مهينة وتعذيب أثناء محاولته عبور نقطة تفتيش في إحدى المناطق الريفية بالقرب من مكان سكنه.
بعد أيام، تم الإعلان عن وفاته، دون إصدار بيان رسمي يوضح تاريخ الوفاة، أسبابها الدقيقة، أو مكانها.
هل توفي نتيجة تعذيب؟ أم لأسباب صحية؟
لا يوجد حتى الآن بيان حكومي أو طبي يؤكد سبب الوفاة، لكن المعلومات المتوفرة تشير إلى ما يلي:
- عُرف عن الطيب الطاهر صحته الجيدة، وقدرته على الحركة والتنقل رغم تقدمه في السن.
- تم تداول روايات من شهود عيان بأنه تعرّض لـ”ضرب مبرح” من قبل عناصر مسلحة بسبب رفضه التعاون معهم.
- أسرته التزمت الصمت الإعلامي، ربما خوفًا من التبعات، أو احترامًا لخصوصية الفقيد.
- كل هذه المعطيات تعزز فرضية الوفاة تحت التعذيب، لكنها لا تثبتها بشكل قاطع.
كيف تلقى السودانيون خبر الوفاة؟
وقع خبر وفاة الطيب الطاهر كالصاعقة على أبناء السريحة والمهندسين القدامى والمجتمع الأكاديمي، حيث تحوّلت صفحاته على فيسبوك إلى دفاتر عزاء رقمية، امتلأت بالمراثي والذكريات:
كتب أحد طلابه السابقين:
“كنت أزورك لتصلح لي أسلاكي في الطفولة، واليوم أبكيك على صفحات الإنترنت… رحلت كما يعيش الكبار: صامتًا، شامخًا.”
وكتب ناشط آخر:
“ما يحدث في السودان مأساة يومية، لكن حين يُهان رجل مثل الطيب الطاهر، فهذا يُشير لانهيار كل منظومات الاحترام.”
المهندسون ينعونه: فقدنا أحد أعمدة الكهرباء الوطنية
في بيانات متفرقة، نعت جمعيات ومجالس مهنية سودانية الراحل الطيب الطاهر، واصفة إياه بأنه:
- “أحد أوائل المؤسسين لقطاع الكهرباء في السودان”.
- “مهندس من الجيل الذي عمل بدون مقابل من أجل بلاده”.
- “نموذج للعالم الوطني الذي لم يطلب شيئًا سوى خدمة الناس”.
رمزية القصة في المشهد السوداني الراهن
وفاة الطيب الطاهر في ظل هذا الغموض المؤلم تختزل معاناة شعب كامل، وتُعبّر عن:
- فقدان الأمن في الريف السوداني.
- غياب المساءلة بحق منتهكي الحقوق.
- استهداف النخب العلمية والأكاديمية إما بشكل مباشر أو بالإهمال.
ماذا بعد؟ هل تتحرك الجهات للتحقيق؟
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لا توجد مؤشرات على:
- فتح تحقيق جنائي.
- إصدار تقرير طبي رسمي.
- محاسبة الجهة التي يُزعم أنها اعتدت عليه.
لكن بعض المحامين والحقوقيين بدأوا جمع الأدلة تمهيدًا لرفع ملفه إلى منظمات حقوقية دولية، من بينها:
- منظمة العفو الدولية
- هيومن رايتس ووتش
- اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب
تكريم بعد الرحيل: مبادرات لتخليد اسمه
بدأ ناشطون وطلاب سابقون للطيب الطاهر حملة رقمية تحت وسم #خلدوا_اسم_الطيب_الطاهر، طالبوا فيها بـ:
- إطلاق اسمه على مدرسة أو معهد تقني في السريحة.
- تأسيس جائزة سنوية لأفضل مشروع تنموي هندسي يحمل اسمه.
- إعداد فيلم وثائقي عن حياته لعرضه في الجامعات السودانية.
ما الذي نأخذه من قصة الطيب الطاهر؟
وفاته ليست مجرد خبر، بل مرآة لحال الوطن، وقصته تفتح ملفات:
- حق الإنسان في الحياة والكرامة.
- ضرورة حماية الكفاءات الوطنية.
- قيمة الصمت النبيل والعطاء غير المشروط.
خاتمة: الباشمهندس.. حكاية رجل عاش خادمًا ورحل شهيدًا
لم يكن الطيب الطاهر يومًا من الذين يبحثون عن الأضواء. لكنه حين غاب، أضاءت قصته صفحات الصحف ومواقع التواصل. ربما لأنه علّمنا دون أن يتكلم، وبنى دون أن يطلب، ورحل دون أن يشتكي.
ويبقى السؤال: هل ستنصفه العدالة بعد الموت؟ أم أن ذكراه وحدها ستكون العدالة المؤجلة؟