من هو الشيخ السيد سعيد سلطان القراء؟ سيرة قارئ لا تُنسى وتفاصيل رحيله
في لحظات من السكون الصباحي، وبينما كانت الأُذن لا تزال تفتقد نغمة تلاواته العذبة، جاء الخبر الذي هزّ وجدان محبّي القرآن في مصر والعالم الإسلامي: الشيخ السيد سعيد، الملقب بـ”سلطان القراء”، قد فارق الحياة.
السبت 24 مايو/أيار 2025 لم يكن صباحًا عاديًا، بل كان صباحًا حزينًا، أعلن فيه فراق صوت من أعذب الأصوات التي ردّدت آيات الله في مشارق الأرض ومغاربها.
الشيخ الذي لم يطلب يومًا مجدًا دنيويًا، رحل عن عمر يناهز 82 عامًا، تاركًا خلفه تاريخًا لا يُنسى، وميراثًا صوتيًا محفورًا في ذاكرة القراء والمستمعين.
من هو الشيخ السيد سعيد ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ النشأة والبداية
وُلد الشيخ السيد سعيد محمد في 7 مارس/ آذار 1943، في قرية ميت مرجا سلسيل التابعة لمركز الجمالية بمحافظة الدقهلية في دلتا مصر.
تلك القرية التي عُرفت دومًا بحبها للقرآن وعلومه، وكانت منطلقًا لعديد من القرّاء في تاريخ التلاوة المصرية.
نشأ السيد سعيد في بيت متواضع يعشق القرآن. والده كان فلاحًا بسيطًا، لكنه كان شديد التعلق بسماع إذاعة القرآن الكريم، وكانت أمه تقول دومًا: “ابني هيبقى له شأن يومًا ما”.
وبالفعل، ما أن بلغ التاسعة من عمره حتى كان قد أتمّ حفظ كتاب الله كاملًا، على يد الشيخ عبدالمحمود عثمان في كتاب القرية.
بداية الشهرة: من القرى إلى المنابر الكبرى
مع أول تجربة له في التلاوة بمسجد قريته، كان واضحًا أن صوت هذا الفتى الصغير يحمل ما هو أبعد من موهبة. صوته النديّ، ووقفته الهادئة، وقدرته على التلوين الصوتي، كلّها جعلت الحضور يبكون قبل أن يفهموا معاني الآيات. كانت تلك اللحظة المفصلية التي بدأ معها صعوده البطيء لكن الثابت.
عُرف بين الناس بقدرته الفائقة على التلاوة بأسلوب فريد، يجمع بين المدرسة الحلبية والمدرسة المصرية، بأسلوب صوتي خاص جعله في مصاف الكبار مثل الشيخ عبدالباسط، مصطفى إسماعيل، محمود الحصري، وغيرهم.
الانتشار الإقليمي والدولي
لم يكن نجاح الشيخ السيد سعيد محليًا فقط. بل حمل القرآن معه إلى:
- الإمارات العربية المتحدة، حيث تلا في محافل رمضانية كبرى.
- لبنان، حيث كرّمه الأزهر اللبناني واعتبره “صوت الرحمة”.
- إيران، التي استقبلت تلاوته بحفاوة قلّ نظيرها.
- جنوب أفريقيا، حيث قدّم تلاواته للجالية الإسلامية هناك.
- سويسرا، التي استضافته ضمن مؤتمر للقراءات القرآنية.
كان يحب السفر لنشر صوت القرآن، لا لطلب مقابل. وكان يقول دائمًا: “أنا عبد للقرآن، ولا أبحث عن منصب أو شهرة، بل عن رضا الله”.
التكوين العلمي والقراءات
لم يكتفِ الشيخ السيد سعيد بالحفظ، بل كان طالب علم حقيقي. بعد الحفظ، قرأ على يد الشيخ إبراهيم محمد غنيم في قرية الكردي، ومكث عنده ثلاث سنوات يتعلّم القراءات السبع والعشر.
وقد أتقن:
- رواية حفص عن عاصم.
- رواية ورش عن نافع.
- رواية قالون.
- وبعضًا من روايات ابن كثير وأبي عمرو.
لم يكن قارئًا عاديًا، بل كان مُجازًا في القراءات، ويملك قدرة نادرة على المزج بين المقامات الصوتية دون أن يخرج عن روح النص القرآني.
تفاصيل وفاة الشيخ السيد سعيد سلطان القراء: صراع مع الفشل الكلوي
خلال السنوات الأخيرة، عانى الشيخ من مرض الفشل الكلوي، وأصبح يداوم على جلسات الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيًا. كان يُعاني في صمت، يرفض الحديث عن مرضه حتى لا يُحزن مريديه، وكان يمازحهم دائمًا قائلًا:
“أنا في ضيافة الله.. وجلسة الغسيل فرصة للتأمل في خلقه”.
في الأسبوع الأخير من حياته، تدهورت حالته بشكل مفاجئ، ونُقل إلى مستشفى ناصر العسكري بالقاهرة. وهناك، توقف القلب بعد أن تعب الجسد، وارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها فجر السبت 24 مايو 2025.
مراسم الجنازة.. وداع سلطان القراء
صلاة الجنازة على الشيخ الراحل أُقيمت في مسجد القرية ميت مرجا بمحافظة الدقهلية، وشارك فيها الآلاف من محبيه، من قرّاء، وعلماء، وأهل قريته، بل ومن خارجها. وكان المشهد مهيبًا، امتزج فيه القرآن بالبكاء، والدعاء بالحزن.
العزاء أُقيم يوم الأحد التالي في نفس القرية، حيث امتلأت الخيمة بالمحبين، وسط تلاوات خاشعة من كبار القراء الذين أتوا لتكريم زميلهم الراحل.
إرثه الصوتي: كنوز التلاوة الخالدة
الشيخ السيد سعيد ترك وراءه مئات التسجيلات الصوتية لتلاواته، سواء في المناسبات الرسمية أو عبر الإذاعات القرآنية، وتُعد تسجيلاته من:
- سورة يوسف
- سورة مريم
- سورة الحجرات
- من بين الأشهر والأكثر تداولًا عبر الإنترنت.
وقد أُطلق عليه لقب “سلطان القراء”، ليس لعدد تسجيلاته، بل لسحر صوته وروحانيته الفريدة.
كلمات الحب والوداع
في بيانٍ رسمي، نعت نقابة محفظي وقراء القرآن الكريم بمصر الفقيد، وقالت في بيانها:
“لقد فقدنا عَلَمًا من أعلام التلاوة، رجلًا أفنى عمره في خدمة كتاب الله، رحم الله الشيخ السيد سعيد وجعل القرآن شفيعه يوم الدين”.
أما جمهور الإنترنت، فاشتعلت صفحاتهم بمقاطع من تلاواته مع تعليقات مثل:
- “صوتك لا يموت.. أنت حيٌّ في قلوبنا يا شيخ”.
- “اللهم ارفع درجته في عليين كما رفع أصواتنا بتلاوته”.
- “كان يقرأ القرآن كأنه يتلوه على مسامع الملائكة”.
دروس من حياته: كيف يكون القارئ قدوة؟
حياة الشيخ السيد سعيد تحمل في طياتها العديد من الرسائل والدروس:
- التواضع هو سر القَبول.
- حب القرآن أسمى من الشهرة.
- العمل بصمت يُثمر أثرًا لا يزول.
- ترك بصمة صوتية تسبقك في الآخرة أفضل من آلاف التكريمات الدنيوية.
خاتمة: خفت الصوت.. لكن بقي الأثر
غادرنا الشيخ السيد سعيد بجسده، لكن صوته سيظل يُتلى في بيوت المحبين، ومساجد المخلصين، وقاعات التحفيظ. لقد كان صوته لحنًا إلهيًا، ولم تكن تلاوته مجرد أداء، بل عبادة تُحيا بها القلوب.
لم يكن “سلطان القراء” مجرد لقب، بل كان انعكاسًا لحقيقة: رجل عاش للقرآن، وتوفّي في خدمة القرآن، ويُرجى أن يكون في جوار الله ببركة القرآن.