سبب وفاة الدكتور خليل القواسمة.. سيرة عطاء في الجمباز تنتهي بصمت
فقدت الرياضة الأردنية، فجر السبت 24 مايو/أيار 2025، أحد أعمدتها الأكاديمية والتدريبية برحيل الدكتور خليل القواسمة، مدرب المنتخب الوطني للجمباز، وأستاذ اللياقة البدنية في الجامعة الهاشمية.
لم يكن الخبر عاديًا، بل شكّل صدمة لكل من عرف هذا الرجل الذي جمع بين المعرفة والإنسانية، وبين العطاء المهني والتواضع.
لم يكن مجرد مدرب رياضي، بل كان أكاديميًا، مربيًا، مستشارًا، ومرشدًا لأجيال من الرياضيين، تركوا بصماتهم في ميادين الرياضة المحلية والدولية.
وها هو يرحل بهدوء، بعد صراع مع مرض عضال لم يعلن عنه كثيرًا، وكأنه أراد أن يحتفظ بألمه بعيدًا عن تلاميذه وأحبته، الذين لطالما تغنّوا بابتسامته وحكمته وأسلوبه الإنساني في التعامل.
من هو الدكتور خليل القواسمة؟ سيرة أكاديمية ورياضية مشرّفة
الدكتور خليل القواسمة كان من الأسماء التي فرضت احترامها في الوسطين الأكاديمي والرياضي في الأردن. وُلد ونشأ في المملكة، وتلقى تعليمه الجامعي في مجال التربية البدنية وعلوم الرياضة، ثم واصل دراساته العليا ليحصل على الدكتوراه في اللياقة البدنية وتدريب الجمباز، وهو التخصص الذي منحه لاحقًا شهرة واسعة كأحد أبرز المدربين في هذا المجال.
من أبرز مناصبه:
- أستاذ اللياقة البدنية في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة – الجامعة الهاشمية.
- مدرب المنتخب الوطني الأردني للجمباز.
- عضو في العديد من اللجان الرياضية الأكاديمية والاتحادات المختصة برياضات الدفاع عن النفس والحركة.
- لم يكن الدكتور خليل من النوع الذي يبحث عن الأضواء، بل كان يؤمن بأن العمل بصمت هو الطريق إلى بناء الأثر، وقد نجح بذلك بامتياز.
إنجازات مهنية وأكاديمية لا تُحصى
على مدار أكثر من 20 عامًا، راكم الدكتور خليل القواسمة إنجازات محلية وعربية وأكاديمية نادرة، منها:
- إعداد وتأهيل عشرات الرياضيين والرياضيات لتمثيل الأردن في البطولات الإقليمية والدولية.
- تدريب المنتخبات الوطنية للفئات العمرية في الجمباز.
- الإشراف الأكاديمي على مشاريع تخرج وبحوث علمية لطلبة اللياقة والجمباز في الجامعات الأردنية.
- تنظيم ورش عمل ومؤتمرات رياضية في مجالات الحركة والإعداد البدني والتأهيل الرياضي.
- نيل جوائز وشهادات تكريم من اللجنة الأولمبية الأردنية والاتحاد الأردني للجمباز.
- كما نال في عام 2018 جائزة أفضل مدرب وطني في رياضة الجمباز، تقديرًا لجهوده في تطوير هذه الرياضة وتحقيق نتائج بارزة على المستويين المحلي والدولي.
تفاصيل وفاة الدكتور خليل القواسمة: المرض أنهى حياة مدربٍ لم يعرف الهزيمة
في صباح السبت 24 مايو 2025، أعلن النائب محمد جميل الظهراوي عبر حسابه على “فيسبوك” وفاة الدكتور خليل القواسمة، موضحًا أنه توفي في إحدى مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان بعد معاناة صامتة مع مرض عضال.
هذا الإعلان نزل كالصاعقة على الوسطين الأكاديمي والرياضي، خاصة أن الفقيد لم يسبق أن تحدّث كثيرًا عن مرضه، وكان يواصل أعماله ومحاضراته وتدريباته في الجامعة حتى فترة قريبة.
بحسب مصادر قريبة، فإن الفقيد كان يعاني من مشاكل صحية مزمنة تطورت مؤخرًا إلى مضاعفات خطيرة، نُقل على إثرها إلى المستشفى، وهناك وافته المنية في الساعات الأولى من الفجر.
تشييع الجثمان وسط مشاعر الحزن والحب
جنازة الدكتور خليل القواسمة كانت تجسيدًا حيًا لحجم التأثير الذي تركه في محيطه. فقد أُقيمت صلاة الجنازة ظهر السبت في مسجد غزة هاشم، بحضور مئات المشيعين من زملائه في الجامعة، طلابه، الرياضيين، وأبناء مجتمعه المحلي.
تم دفنه في مقبرة موبص، وسط أجواء من الحزن المختلط بالامتنان، على ما قدّمه هذا الرجل لوطنه وأبناء مجاله.
كلمات في وداعه: شهادات حب ووفاء
لم يقتصر نعي الدكتور خليل القواسمة على صفحته العائلية أو محبيه، بل ضجت منصات التواصل الاجتماعي بصوره ومواقفه وكلماته الخالدة. كتب أحد طلابه:
“لم أتعلم منك فقط كيف أكون رياضيًا.. بل كيف أكون إنسانًا مسؤولًا. شكراً لأنك كنت معلّمًا بالحياة قبل أن تكون دكتورًا”.
وقالت إحدى زميلاته في الجامعة الهاشمية:
“كان دائمًا مبتسمًا، هادئًا، لا يرفع صوته، لكنه يرفع منسوب الحماسة في كل من حوله.. سنفتقدك كثيرًا يا دكتور خليل”.
إرث علمي وإنساني.. لا يُنسى
ترك الدكتور القواسمة بصمات واضحة في الحقل العلمي، حيث قام بتأليف ومراجعة عدد من الكتب والبحوث العلمية في مجال اللياقة البدنية والتدريب الرياضي، منها:
- دليل تدريب الجمباز للأندية المدرسية
- تطبيقات في المرونة البدنية للأطفال
- اللياقة الشاملة للرياضي الشاب
كما شارك في تحرير مناهج التربية الرياضية في مراحل التعليم المدرسي، وكان يطمح إلى تأسيس أكاديمية وطنية خاصة بالجمباز والتأهيل الحركي، وهو المشروع الذي لم يُكتب له أن يرى النور.
شخصيته بين الصرامة والإنسانية
كان الدكتور خليل القواسمة يجمع بين الصرامة المهنية والإنسانية العميقة. كان لا يتسامح مع الإهمال أو الكسل، لكنه كان يتعامل بحب وصبر مع الطلاب والرياضيين، مؤمنًا بأن التحفيز أهم من العقاب.
لم يكن يؤمن بالتفرقة بين طلابه أو الرياضيين بناءً على الخلفيات الاجتماعية أو المستوى، وكان يقول دومًا:
“كل من يدخل إلى القاعة الرياضية، هو مشروع بطل.. فقط امنحوه الفرصة”.
مكانته الأكاديمية: شغف دائم بالعلم
في أروقة الجامعة الهاشمية، كان يُعرف الدكتور خليل بأنه “أبو العلم”، حيث كانت مكتبه يعجّ بالكتب والبحوث، وغالبًا ما كان يبقى لساعات بعد المحاضرات لمساعدة الطلاب، أو مراجعة مشروعاتهم.
وبحسب رئيس قسم التربية البدنية، فإن الدكتور القواسمة كان:
- من أبرز أعضاء هيئة التدريس في القسم.
- صاحب رؤية تطويرية لمناهج اللياقة البدنية.
- يملك قدرة فريدة على تحويل النظرية إلى تطبيق عملي مبسط.
الأثر الباقي: ما بعد الرحيل
اليوم وبعد رحيله، بدأت الدعوات لإطلاق اسم الدكتور خليل القواسمة على:
- إحدى القاعات الرياضية في الجامعة الهاشمية.
- بطولة وطنية للجمباز تُخلد ذكراه.
- منحة دراسية سنوية في مجاله، تُمنح لأفضل طالب رياضي.
- هذه المقترحات تأتي في إطار تخليد ذكرى شخصية من طراز نادر، لم تكن مجرد أكاديمي، بل مثالًا للعطاء الذي لا يرتبط بالشهرة أو المال.
خاتمة: من يرحل جسدًا ويبقى أثره حاضرًا
غادرنا الدكتور خليل القواسمة بجسده، لكن روحه ستظل ترفرف في قاعات التدريب، وصفوف المحاضرات، وعقول الطلاب الذين تتلمذوا على يديه.
لقد أثبت أن البطولة الحقيقية ليست في عدد البطولات التي فاز بها الرياضي، بل في عدد الأرواح التي ألهمها. واليوم، الأردن بأكمله يودع معلمًا ومربياً ومدربًا فريدًا، علّم الأجيال كيف يكون التفوق مترافقًا مع الأخلاق، والنجاح مقرونًا بالإنسانية.