مأساة على أوتوستراد شكا: سبب وفاة الشابة مريانا سعيد الخوري التي أبكت لبنان
لم يكن صباح السبت 24 مايو 2025 عاديًا في بلدة كفرياشيت التابعة لقضاء زغرتا شمالي لبنان، فقد استيقظ الأهالي على نبأ صادم هزّ القلوب وأوجع الضمائر. رحلت فجأة شابة عرفها الجميع بابتسامتها الدائمة، وهدوئها، وتفانيها في خدمة الوطن: إنها مريانا سعيد الخوري، ابنة البلدة الوحيدة، وعنصر في الأمن العام اللبناني، التي توفيت في حادث تصادم مروّع أثناء عبورها الطريق.
الحادث وقع في المسلك الشرقي من أوتوستراد شكا، حيث كانت مريانا تحاول عبور الشارع مساء الجمعة 23 مايو، لتصدمها فجأة سيارة مسرعة، وتُسقطها أرضًا من دون فرصة للنجاة. وسرعان ما حضر عناصر الصليب الأحمر اللبناني إلى الموقع، ليعلنوا أن الشابة قد فارقت الحياة على الفور.
الخبر لم يكن مجرد وفاة عابرة تُسجّل على الورق، بل كان فاجعة حقيقية لكل من عرف الراحلة، خاصة أنها الابنة الوحيدة لعائلتها، التي ارتكزت عليها في كل شيء. كانت نموذجًا للشابة اللبنانية القوية، المثقفة، والملتزمة، ووجودها داخل السلك الأمني كان مصدر فخر لكل أبناء منطقتها.
انتشر نبأ الوفاة كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تسابق أصدقاء مريانا وزملاؤها في نشر صورها وتوجيه كلمات الوداع الحزينة. ووسط هذا الحزن العام، تصاعدت أيضًا التساؤلات: هل كان بالإمكان إنقاذها؟ وهل تتكرر هذه الحوادث نتيجة سوء البنية التحتية أو الإهمال في القيادة؟
تفاصيل الحادث المأساوي: دقائق حاسمة أنهت حياة شابة
وقعت الحادثة في المسلك الشرقي لأوتوستراد شكا، إحدى النقاط المعروفة بازدحامها وحركتها السريعة، حيث كانت مريانا تحاول عبور الطريق متوجهة إلى الجهة الأخرى. وفي لحظة لم تستغرق سوى ثوانٍ، باغتتها سيارة خاصة مسرعة، صدمتها بقوة، ما أدى إلى وفاتها على الفور متأثرة بإصاباتها البليغة.
فرق الصليب الأحمر اللبناني وصلت بسرعة إلى الموقع، بعد تلقيها بلاغًا من شهود عيان. وعند وصولهم، تبيّن أن الضحية فارقت الحياة، ليتم نقل جثتها إلى مستشفى البترون الحكومي لإتمام الإجراءات القانونية والطبية اللازمة.
وتولّت مخابرات الجيش اللبناني التحقيقات فورًا، حيث تم توقيف السائق الذي تسبب بالحادث، وتبيّن أن اسمه بالأحرف الأولى “ع. ج”، ويخضع حاليًا للتحقيق لمعرفة الملابسات الكاملة، وما إذا كان الحادث وقع نتيجة إهمال أو سرعة زائدة، أو كان ناتجًا عن ضعف في البنية التحتية للطريق وغياب وسائل الأمان.
من هي مريانا سعيد الخوري ويكيبيديا السيرة الذاتية؟ الشابة التي بكتها بلدتها
مريانا سعيد الخوري لم تكن مجرد اسم جديد على صفحات الحوادث، بل كانت شابة معروفة في كفرياشيت وعموم قضاء زغرتا. تعمل منذ سنوات كعنصر في الأمن العام اللبناني، وتُعرف بمهنيتها العالية، وهدوئها، وتفانيها في عملها، وكانت مصدر فخر لعائلتها ومجتمعها.
وُلدت مريانا في التسعينيات، وتربّت في كنف عائلة صغيرة، هي الابنة الوحيدة لوالديها، الذين وضعوا فيها كل أحلامهم وأمالهم. تعلّمت في مدارس المنطقة، قبل أن تلتحق بسلك الأمن العام، لتكون واحدة من بين قلة من الشابات اللواتي اخترن خدمة الوطن في ميادين المسؤولية.
كانت تحب الحياة، تهوى الموسيقى الهادئة، وتشارك في أنشطة تطوعية محلية. وصفها أصدقاؤها بأنها “بنت البيت الطيب”، و”رمز للتهذيب واللباقة”، و”زهرة انطفأت باكرًا”، في تعليقات غلبت عليها الدموع والحسرة.
انتشار صورتها يهز وسائل التواصل.. وصورتها مع مار شربل تُبكي الجميع
في ساعات قليلة، امتلأت صفحات اللبنانيين على فيسبوك وتويتر بصورة مريانا الخوري، وهي تقف بابتسامة ناعمة أمام أيقونة مار شربل، القديس اللبناني المعروف. هذه الصورة بالذات أصبحت أيقونة وداع صامتة، تقشعر لها الأبدان، وتُختزل فيها كل حكاية الحزن.
تداول الناشطون الصورة على نطاق واسع، وأرفقوها بعبارات حزينة، أبرزها:
- “بنتنا راحت.. والدنيا بعدها سريعة”
- “هي الوحيدة، وهي الضحية.. يا رب صبّر قلب أهلها”
- “من هون مرّت، وهون رحلت.. والشارع بعده بلا إشارة”
- الصورة وحدها قالت كل شيء، خصوصًا أنها كانت تُعبّر عن شخصية متدينة، راضية، ومُسلمة بأقدار الله.
موقف العائلة.. والصدمة لا تُوصف
في أول تعليق للعائلة، عبّر أحد أقارب مريانا عن حجم الفاجعة قائلًا:
- “كانت النور الوحيد في بيتها، بنتهم الوحيدة، عمرهم كلّه.. كيف بترجع الحياة بعد هيك؟”
وقال أحد جيرانها:
- “لمريانا مكانة خاصة في قلوب الكبار قبل الصغار، حتى من لا يعرفها، بكاها اليوم وكأنها ابنته.”
- العائلة تلتزم الصمت حتى الآن، لكن الحزن العميق على وجوه الجميع يعبّر أكثر من أي كلمة.
حوادث السير في لبنان.. أزمة بلا نهاية
حادثة مريانا ليست الأولى، وربما للأسف لن تكون الأخيرة، في بلد يُسجّل سنويًا مئات الضحايا من حوادث السير، نتيجة:
- غياب إشارات المرور في بعض المناطق
- ضعف الإنارة على الطرق السريعة
- السرعة الزائدة وعدم التزام السائقين بالقوانين
- عدم وجود جسور مشاة في النقاط الحيوية
وتطالب منظمات حقوقية وأهالي الضحايا منذ سنوات بتطبيق “خطة وطنية شاملة للسلامة المرورية”، لكن التنفيذ لا يزال خجولًا حتى الآن.
مراسم التشييع: جنازة مهيبة لشابة استثنائية
شيّعت بلدة كفرياشيت جثمان مريانا الخوري في موكب جنائزي مهيب شارك فيه العشرات من زملائها في الأمن العام اللبناني، إلى جانب الأهل، الأصدقاء، والجيران. خرج الجميع من كنيسة البلدة في مسيرة صامتة امتزج فيها الحزن بالدعاء.
ألقيت كلمات مؤثرة في التشييع، تخللها صلوات وابتهالات، وكان مشهد النعش الأبيض يحمل رمزية شديدة الإيلام، فالعروس التي لم تلبس ثوب زفافها، رحلت بثوب الكفن.
ردود فعل رسمية وشعبية
أصدر الأمن العام اللبناني بيان نعي رسمي، وجاء فيه:
“ببالغ الأسى والحزن تنعى المديرية العامة للأمن العام، الرقيب مريانا سعيد الخوري، التي رحلت أثناء إجازتها في حادث سير أليم. رحمها الله وألهم ذويها الصبر.”
كما عبّر عدد من النواب، والبلديات، والمجالس المحلية، عن أسفهم للحادث، وطالبوا بتحقيق عاجل في أسبابه.
كيف يمكن منع تكرار هذه الفواجع؟
ضرورة وضع جسور مشاة عند المناطق السكنية القريبة من الأوتوسترادات
- تعزيز الرقابة على السرعة القصوى للمركبات
- إطلاق حملات توعية مرورية مستمرة
- فرض عقوبات حازمة على السائقين المتهورين
الختام: رحلت مريانا.. لكن صوتها باقٍ
لم تكن مريانا الخوري فقط عنصر أمن، بل كانت إنسانة، ابنة، وصديقة، ومثالًا لشابة لبنانية حلمت أن تصنع الفرق. رحلت فجأة، لكن أثرها باقٍ، كتحذير، كعبرة، وكنداء أخير لكل من يقود السيارة بسرعة، أو يستهتر بأبسط قواعد السلامة.
دعونا لا نحزن فقط، بل نُطالب بتغيير يضمن أن لا تكون هناك “مريانا أخرى” على طريق شكا أو غيرها.