لماذا اعتقلت السلطات العراقية حسحس؟ إليك الأسباب والاتهامات
في عصرٍ باتت فيه الكاميرا وسيلة شهرة و”الترند” أداة نفوذ، تصعد وتخفت أسماء كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي. لكن بعضهم لا يمرّ مرور الكرام، لا من جهة المتابعين ولا من الجهات الرسمية. أحد هؤلاء هو “حسحس”، الاسم الذي تحوّل إلى علامة استفهام كبيرة في العراق، خصوصًا بعد اعتقاله مؤخرًا من قبل السلطات الأمنية.
في مساء الجمعة 24 مايو 2025، خرجت وزارة الداخلية العراقية ببيان مقتضب، أعلنت فيه إلقاء القبض على المدعو عناد خالد، المعروف على منصات التواصل باسم “حسحس”، وذلك بناءً على أمر قضائي بعد رصد نشاطه المتكرر في إنتاج ونشر ما وصفته بـ”المحتوى الهابط والمسيء”.
نبأ الاعتقال لم يمرّ بهدوء، فقد انقسمت ردود الفعل بين مؤيد للخطوة بوصفها تصحيحًا للمشهد الرقمي، وبين من رأى فيها تضييقًا على حرية التعبير. وبين هذا وذاك، طُرحت أسئلة كثيرة: من هو “حسحس”؟ ما سبب شهرته؟ ولماذا أوقف تحديدًا؟ هل ارتكب مخالفة حقيقية، أم وقع في فخ شعبية منصات التواصل السريعة؟ وهل يتكرر هذا السيناريو مع صناع محتوى آخرين؟
في هذا التقرير، نفتح الملف بالكامل. من هو عناد خالد؟ ماذا كان ينشر؟ كيف تم رصده واعتقاله؟ وما هو الإطار القانوني الذي حُرك ضده؟ وهل القضية تتجاوز شخصه إلى قضية عامة تتعلق بـ”المحتوى الرقمي” في العراق؟
من هو “حسحس”؟ الاسم الحقيقي والخلفية
“حسحس” ليس اسمًا مستعارًا عابرًا، بل لقب اشتهر به الشاب العراقي عناد خالد، المولود في بغداد مطلع التسعينيات، والذي بات في غضون عامين فقط أحد أكثر صناع المحتوى إثارة للجدل في البلاد.
لا توجد معلومات دقيقة وموثقة عن خلفية عناد التعليمية أو العائلية، إذ احتفظ بحياته الشخصية بعيدًا عن الأضواء. كل ما يُعرف عنه أنه بدأ نشاطه في فيسبوك وتيك توك مطلع عام 2023، مقدمًا محتوىً يصفه هو بـ”الساخر”، بينما يصنفه كثيرون بـ”المبتذل والمسيء للذوق العام”.
وقد اكتسب شهرة سريعة بسبب أسلوبه الغريب، وتصرفاته التي وُصفت بأنها “تهريج رقمي”، لا تحمل مضمونًا واضحًا بقدر ما تقوم على إحداث صدمة أو إثارة آنية للضحك أو الجدل.
ما نوع المحتوى الذي كان يقدمه حسحس؟
اشتهر “حسحس” بتقديم فيديوهات قصيرة تتضمن:
- تقليد أصوات غريبة أو لهجات مشوهة
- استخدام حركات غير مألوفة للجسد والوجه
- ترديد عبارات فيها إيحاءات مبتذلة أو لفظية
- افتعال مواقف مع أفراد الشارع بهدف “الترند”
كان يعتمد في مقاطعه على ما يسمى بـ”الكوميديا المفرطة” التي لا تنطلق من نص، بل من رد فعل مباشر مع الكاميرا، مما يجعل المشاهد عرضة للتهكم أو الاستغراب.
النقاد وصفوا هذه النوعية من المحتوى بـ”السهل الممتنع”، الذي يجذب فئات معينة من الجمهور، خاصة اليافعين، لكن في المقابل يُنظر إليه على أنه “تسطيح للذوق العام” ويؤثر سلبًا على بنية المجتمع.
سبب اعتقال حسحس الحقيقي اليوم.. كيف سقط “حسحس” في يد الأمن؟
في بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية العراقية، أكدت أن عملية توقيف “حسحس” جاءت بناءً على مذكرة قضائية صادرة بحقه، بعد أن تابعت لجنة مكافحة المحتوى الهابط نشاطه بشكل دقيق.
وجاء في البيان:
“تم توقيف المدعو عناد خالد الملقب بـ(حسحس)، بعد رصد مخالفاته المتكررة لبنود الذوق العام ونشر محتوى يُصنف على أنه هابط وغير أخلاقي.”
وأشار مصدر أمني لوكالة “بغداد اليوم”، أن عملية الاعتقال نُفذت في إحدى مناطق العاصمة بغداد، دون مقاومة من المشتبه به، وأنه خضع للتحقيق في نفس اليوم، وتمت مصادرة أجهزته وحساباته لمراجعة ما نُشر وتحديد المخالفات بدقة.
الجانب القانوني: ما هي التهمة؟ وماذا يقول القانون العراقي؟
تم توجيه التهمة إلى “حسحس” بموجب المادة 403 من قانون العقوبات العراقي، والتي تنص على معاقبة كل من ينشر أو يروّج لمحتوى “يمسّ الحياء العام” أو يتضمن ألفاظًا نابية، أو يحرض على سلوكيات غير أخلاقية.
بالإضافة إلى ذلك، تُصنف القضية تحت بند “الإضرار بالمصلحة العامة” من خلال استخدام منصات رقمية لها جمهور واسع لنشر سلوكيات يُنظر إليها على أنها مشجعة على الانحراف أو الاستهتار.
العقوبات المحتملة تشمل:
- السجن من 1 إلى 3 سنوات
- غرامة مالية تصل إلى 10 ملايين دينار عراقي
- إغلاق الحسابات الإلكترونية
- منع من ممارسة أي نشاط إعلامي أو رقمي لفترة زمنية تحددها المحكمة
ردود الفعل: تأييد واسع ومعارضة بصوت مرتفع
أثار اعتقال “حسحس” موجة من ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض التعليقات جاءت داعمة، واعتبرت أن “هذه الخطوة تأخرت كثيرًا”، بينما رأى آخرون أن هذا الاعتقال يهدد حرية التعبير، خاصة أن المحتوى كان ترفيهيًا من وجهة نظر البعض.
من أبرز التعليقات:
- “أخيرًا.. وضع حد للمحتوى السخيف اللي يسيء للمجتمع”
- “ليش كل ما حد اشتهر يعتقلوه؟ خلوه يعيش.. هذا مجرد تهريج”
- “إذا حسحس غلط، في غيره أخطر.. وين تطبيق القانون عليهم؟”
وهذا الجدل يعكس الانقسام الاجتماعي حول ما يُعتبر حرية إبداع، وما يُصنف كإساءة للذوق العام.
المحتوى الهابط تحت المجهر: حملة رسمية متصاعدة
ليست قضية “حسحس” الأولى من نوعها. فمنذ منتصف 2023، بدأت السلطات العراقية حملة صارمة على من تسميهم بـ”صناع المحتوى الهابط”، وشهدت البلاد توقيف عدد من مشاهير تيك توك ويوتيوب، بينهم:
- فتاة البصرة “م.هـ”
- صانع فيديوهات المقالب “س.ب”
- ومغنٍّ شعبي يُدعى “باسم العراقي”
وقد برّرت الجهات الرسمية الحملة بأنها “جزء من معركة أوسع ضد الإسفاف والانحلال الرقمي”، فيما اعتبرها ناشطون محاولة للسيطرة على الفضاء الإعلامي الشعبي.
تأثير السوشيال ميديا على الرأي العام العراقي
تُعد منصات التواصل الاجتماعي اليوم مصدرًا رئيسيًا للمعلومات والترفيه لدى العراقيين، خاصة فئة الشباب. وقد أفرز هذا الواقع حالة من “النجومية السريعة” لمحتوى لا يخضع لرقابة تحريرية أو أخلاقية، الأمر الذي أزعج شرائح واسعة من المجتمع.
لكن بالمقابل، تُثير الحملات الأمنية مخاوف حول مستقبل حرية التعبير في العراق، خصوصًا إذا غابت المعايير الدقيقة التي تفرق بين “التهريج غير الضار” و”الإساءة المجتمعية”.
هل سيكون حسحس عبرة؟ أم بداية مرحلة جديدة؟
يرى مراقبون أن توقيف “حسحس” لا يهدف فقط إلى محاسبته شخصيًا، بل هو رسالة إلى باقي صناع المحتوى، أن زمن الإفلات من الرقابة قد ولّى، وأن أي تجاوز للقيم العامة قد يُكلّف غاليًا.
وفي الوقت نفسه، هناك دعوات متزايدة لإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم المحتوى الرقمي، تكون مهمتها تقديم بدائل تربوية، ودعم المحتوى الجيد بدلًا من الاكتفاء بالعقاب فقط.
خاتمة: ما بين حرية الإبداع وحدود القانون
قضية “حسحس” أعادت النقاش إلى مربّعه الأول: ما هو الحد الفاصل بين حرية التعبير وحرية الإساءة؟ وهل يكفي اعتقال صانع محتوى لحل أزمة القيم؟ أم أن الحل يبدأ من إصلاح النظام التربوي، وتعزيز ثقافة الإنترنت، وتقديم قدوة رقمية تُلهِم الجيل القادم؟
سواء أحببته أو انتقدته، فإن “حسحس” صار اسمًا مفصليًا في معركة العراق الرقمية. ويبقى السؤال: من التالي؟.