متى موعد امتحانات الطلاب السودانيين اللاجئين في تشاد 2025؟: تحديات اللجوء وإرادة العلم

في مشهد يتكرر في صفحات المآسي الإنسانية، تقف قضية تعليم الطلاب السودانيين اللاجئين في تشاد شاهداً على صمود الإنسان أمام المحن.

آلاف من الطلاب الذين شردتهم الحرب، وغرّبتهم الأزمات، لم يستسلموا للواقع المرير. بل رغم كل شيء، لا تزال أعينهم تتطلع إلى الغد، حيث الشهادة الثانوية تمثل أملًا في استئناف الحياة.

وزارة التربية والتعليم السودانية، بالتعاون مع أجهزة الدولة، أعلنت عن استكمال جميع الترتيبات الخاصة بامتحانات الشهادة الثانوية للدفعة المؤجلة لعام 2024، لتبدأ الامتحانات في 29 يونيو 2025. لكن ما وراء هذا الإعلان قصة نضال عميقة، مليئة بالتحديات التنظيمية، والإنسانية، والأمنية.

جذور الأزمة: الحرب والنزوح والحرمان

اندلعت الحرب السودانية في أبريل/ نيسان 2023، وخلفت موجات نزوح جماعية لملايين المواطنين من الخرطوم ودارفور ومناطق عديدة أخرى. من بين هؤلاء، آلاف الطلاب الذين كانوا يستعدون لخوض امتحانات الشهادة الثانوية، وهي المحطة الأهم في حياتهم الدراسية.

تشاد، الدولة الجارة، كانت من أوائل البلدان التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، وأقامت مخيمات إيواء مؤقتة، ووفرت لهم مساعدات إنسانية أساسية. لكن، ومع استمرار الأزمة وتضاؤل آمال العودة السريعة، برزت قضية تعليم الأطفال والشباب كواحدة من أخطر التحديات.

امتحانات 2025: قرار مصيري

في خطوة جريئة، قررت وزارة التربية والتعليم السودانية، بالتنسيق مع وزارة الداخلية والسلطات الولائية، إقامة امتحانات الشهادة الثانوية للطلاب السودانيين اللاجئين في تشاد داخل السودان، وتحديداً بولايتين هما نهر النيل والشمالية. وتم تحديد يوم 29 يونيو 2025 كموعد لانطلاق هذه الامتحانات.

خلال اجتماع غرفة طوارئ الامتحانات، برئاسة وزير الداخلية المكلف الفريق شرطة خليل باشا سايرين، تم التأكيد على جاهزية المراكز، وإصدار أرقام الجلوس، وتوفير السكن، والمواصلات، والحماية للطلاب.

آلية التنفيذ: جهود متعددة الأطراف

أوضح وكيل وزارة التربية والتعليم، أحمد خليفة عمر، أن آلية العمل تم تصميمها لتكون شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الظروف النفسية واللوجستية التي يمر بها الطلاب.

أبرز المحاور:

  • إعداد قوائم الطلاب: بالتعاون مع مفوضية اللاجئين ووزارة الخارجية، تم حصر أعداد الطلاب الذين يحق لهم الجلوس للامتحانات.
  • ترحيل آمن: وفّرت الدولة وسائل نقل مؤمنة لنقل الطلاب من تشاد إلى مراكز الامتحانات داخل السودان.
  • السكن والإعاشة: خصصت الوزارة داخليات حكومية، ومدارس مغلقة خلال العطلة، لإيواء الطلاب، مع توفير الوجبات الصحية المجانية.
  • الدعم النفسي: تم التنسيق مع اختصاصيين اجتماعيين لتقديم الدعم النفسي والعلاج السلوكي للطلاب الذين عانوا من صدمات الحرب واللجوء.
  • تأمين المراكز: تعاون بين قوات الشرطة والجيش لتأمين مراكز الامتحان، وضمان سير العملية بسلاسة.

تحديات في الميدان: حين يكون القلم أثقل من السلاح

ورغم كل الجهود، فإن التحديات لا تزال قائمة:

  • التباعد الجغرافي: معظم اللاجئين السودانيين موزعون على أكثر من 25 مخيمًا على الحدود السودانية التشادية.
  • ضعف البنية التعليمية: الطلاب ظلوا لأكثر من عام بلا دراسة منتظمة، ومعظمهم فقدوا كتبهم ومستلزماتهم.
  • الهوية الشخصية: بعض الطلاب لا يملكون بطاقات هوية، ما تطلب التنسيق مع السفارة السودانية لتوثيق هوياتهم.
  • اللغة والمناهج: الطلاب في تشاد تعرضوا لتأثيرات لغوية وتعليمية مغايرة، ما استدعى دورات مراجعة مكثفة قبل الامتحانات.

طلاب دارفور: معاناة مضاعفة

من أبرز الفئات المستفيدة من هذا القرار، هم طلاب دارفور الذين اضطروا إلى الفرار من إقليمهم بسبب اشتداد القتال. وبينما كان يُفترض أن تكون سنة 2024 بداية جديدة لهم، إلا أنها تحولت إلى كابوس تشرد وفقدان.

طلاب دارفور في تشاد يُمثلون شريحة كبيرة من المُسجلين للامتحانات، وقد تم تخصيص فرق استقبال ومرافقة خاصة بهم. عدد منهم فقد أسرته بالكامل، لكن إصرارهم على أداء الامتحانات مثّل صورة استثنائية للإيمان بالعلم كمفتاح للنجاة.

شهادات من قلب الحدث

آدم محمد، 18 سنة، من مخيم “فرشنا”:

“تركت كتبي في الخرطوم، كنت أدرس يوميًا قبل الحرب، ثم وجدت نفسي في خيمة بلا شيء. اليوم أعادوا لي حلمي من جديد، سأجتهد من أجل أمي التي فقدتها تحت القصف.”

عائشة عبد الله، لاجئة من دارفور:

“كنت أظن أن الحرب أنهت كل شيء. لكن عندما أخبروني بموعد الامتحان، شعرت كأن الحياة تعود.”

نظرة المجتمع الدولي: دعم محدود ولكن مهم

رغم أن الدعم الدولي المخصص للتعليم في الأزمات لا يزال ضعيفًا نسبيًا، فإن منظمات مثل اليونيسف، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومؤسسة التعليم فوق الجميع، قدّمت مساعدات عينية وإرشادية للمساهمة في إنجاح هذه المبادرة.

وتم توزيع أكثر من 5000 حقيبة مدرسية، ودفاتر، وأقلام، وأدوات رياضية، كما أطلقت حملات توعية في المخيمات لحث الطلاب على المشاركة.

هل تمثل الامتحانات بداية نهاية الأزمة التعليمية؟

يرى مراقبون أن هذه الخطوة الجريئة قد تشكل بداية لتعافي النظام التعليمي السوداني تدريجيًا، على الأقل في ما يخص الطلبة النازحين. فبتوفير الإمتحانات، تعلن الدولة بشكل غير مباشر عن تمسكها بمسؤولياتها، وتمنح الأمل لجيل بأكمله.

لكن استمرار النجاح يتطلب:

  • استقرار أمني مستدام
  • استمرار الدعم الإنساني
  • عودة تدريجية للمؤسسات التعليمية داخل السودان

خاتمة: بين الألم والأمل.. مستقبل يُرسم بالقلم
في ظل الحروب، يُعتبر التعليم خط الدفاع الأخير للكرامة الإنسانية. وما قامت به وزارة التربية والتعليم السودانية من جهود لتأمين امتحانات الشهادة الثانوية للاجئين في تشاد يُعد إنجازًا وطنيًا وإنسانيًا فريدًا.

إن هؤلاء الطلاب، الذين ناموا ليالٍ في العراء، وجاعوا، وبكوا، هم اليوم يرفعون أقلامهم في وجه الظلام. امتحانات يونيو 2025 لن تكون مجرد تقييم دراسي، بل شهادة انتصار على الانكسار، ورسالة للعالم بأن السودان لا يزال فيه جيل يؤمن بالعلم، رغم كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى